ثم إنه قد قیل: إنه (صلى الله علیه وآله وسلم) لم یتزوج بکرا غیر عائشة، وأما خدیجة، فیقولون: إنها قد تزوجت قبله (صلى الله علیه وآله وسلم)
برجلین، ولها منهما بعض الأولاد. وهما عتیق بن عائذ بن عبد الله المخزومی، وأبو هالة التمیمی. أما نحن فنقول: إننا نشک فی دعواهم تلک، ونحتمل
جدا أن یکون کثیر مما یقال فی هذا الموضوع قد صنعته ید السیاسة. ولا نرید أن نسهب فی الکلام عن اختلافهم فی اسم أبی هالة، هل هو النباش بن زرارة أو عکسه، أو هند، أو مالک، وهل هو صحابی أولا. وهل تزوجته قبل
عتیق. أو تزوجت عتیقا قبله (1)
ولا فی کون هند الذی ولدته خدیجة هو ابن هذا
الزوج أو ذاک، فإن کان ابن عتیق، فهو أنثى (2) وإلا فهو
ذکر. وأنه هل قتل مع علی فی حرب الجمل، أو مات
بالطاعون بالبصرة (3)
لا، لا نرید أن نطیل بذلک، وإنما نکتفی بتسجیل الملاحظات التالیة: أولا: قال ابن شهرآشوب: «وروى أحمد البلاذری، وأبو القاسم الکوفی فی کتابیهما، والمرتضى فی الشافی، وأبو جعفر فی التلخیص: أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) تزوج بها، وکانت عذراء.
یؤکد ذلک ما ذکر فی کتابی الأنوار والبدع: أن رقیة
وزینب کانتا ابنتی هالة أخت خدیجة» (4)
وثانیا: قال أبو القاسم الکوفی: «إن الإجماع من الخاص والعام، من أهل الانال (الآثار ظ) ونقلة الأخبار، على أنه لم یبق من أشراف قریش، ومن ساداتهم وذوی النجدة منهم، إلا من خطب خدیجة، ورام تزویجها، فامتنعت على جمیعهم من ذلک، فلما تزوجها رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) غضب علیها نساء قریش وهجرنها، وقلن لها: خطبک أشراف قریش وأمراؤهم فلم تتزوجی أحدیا منهم، وتزوجت محمدا یتیم أبی طالب، فقیرا، لا مال له؟!
فکیف یجوز فی نظر أهل الفهم أن تکون خدیجة، یتزوجها أعرابی من تمیم، وتمتنع من سادات قریش، وأشرافها على ما وصفناه؟! ألا یعلم ذوو التمییز والنظر:
أنه من أبین المحال، وأفظع المقال؟!» (5)
وثالثا: کیف لم یعیرها زعماء قریش الذین خطبوها فردتهم، بزواجها من أعرابی بوال على عقبیه؟! ورابعا: لقد روی أنه کانت لخدیجة أخت اسمها
هالة (6)، تزوجها رجل مخزومی، فولدت له بنتا اسمها
هالة، ثم خلف علیها – أی على هالة الأولى – رجل تمیمی یقال له: أبو هند، فأولدها ولدا اسمه هند. وکان لهذا التمیمی امرأة أخرى قد ولدت له زینب ورقیة، فماتت، ومات التمیمی، فلحق ولده هند بقومه،
وبقیت هالة أخت خدیجة والطفلتان اللتان من التمیمی وزوجته الأخرى، فضمتهم خدیجة إلیها، وبعد أن تزوجت بالرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) ماتت هالة، فبقیت الطفلتان فی حجر خدیجة والرسول (صلى الله علیه وآله وسلم(. وکان العرب یزعمون: أن الربیبة بنت، ولأجل ذلک نسبتا إلیه (صلى الله علیه وآله وسلم(، مع أنهما ابنتا أبی هند زوج أختها
وکذلک کان الحال بالنسبة لهند نفسه (7)
ولربما یمکن تأیید هذه الروایات بما ورد من الاختلاف فی اسم والد هند، فلتراجع المصادر التی ذکرناها ثمة.
1) راجع الأوائل ج 1 هامش ص 159.
2) راجع: الأوائل ج 1 ص 159 وقال: إن هندا هذه قد تزوجت من صیفی بن عائذ فولدت محمد بن صیفی.
3) للاطلاع على هذه الاختلافات وغیرها راجع المصادر التالیة، وقارن بینها: الإصابة ج 3 ص 611 / 612، ونسب قریش لمصعب الزبیری ص 22، والسیرة الحلبیة ج 1 ص 140، وقاموس الرجال ج 10 ص 431، ونقل عن البلاذری وأسد الغابة ج 5 ص 12 / 13 و 71، وغیر ذلک.
4) مناقب آل أبی طالب ج 1 ص 159، والبحار: ورجال المامقانی، وقاموس الرجال کلهم عن المناقب.
5) الاستغاثة ج 1 ص 70.
6) لها ذکر فی کتب الأنساب، فراجع على سبیل المثال: نسب قریش لمصعب الزبیری. الاستغاثة ج 1 / 68 – 69.
7) راجع: الاستغاثة ج 1 ص 68 – 669، ورسالة حول بنات النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) مطبوعة ط حجریة فی آخر مکارم الأخلاق ص 6.