و بعد أن حملت الصدیقة الطاهرة، أم المؤمنین خدیجة الکبری سلام الله علیها بالنطفة الزکیة النورانیة المحمدیة ونمت فاطمة سلام الله علیها فی أحشاء خدیجة تسعة أشهر إلا أربعة أیام؛ إذ إن لیلة انعقاد النطفة النبویة کانت لیلة الرابع والعشرین من رمضان المبارک، و ها هو الیوم العشرون من جمادی الآخرة و فیه بدت آلام المخاض علی أم المؤمنین خدیجة علیهاالسلام:
»و حانت ولادتها فوجهت إلی نساء قریش و بنی هاشم أن تعالین لتلین منی ما تلی النساء، فأرسلن إلیها: أنت عصیتنا و لم تقبلی قولنا و تزوجت محمدا یتیم أبی طالب فقیرا لا مال له فلسنا نجیء ولا نلی من أمرک شیئا فاغتمت خدیجة علیها السلام لذلک.
فبینما هی کذلک إذ دخل علیها أربع نسوة سمر طوال کأنهن من نساء بنی هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لا تحزنی یا خدیجة فإنا رسل ربک إلیک و نحن أخواتک«؟!
أنا سارة، و هذه آسیة بنت مزاحم، و هی رفیقتک فی الجنة، و هذه مریم بنت عمران، و هذه کلثم أخت موسی بن عمران، بعثنا الله إلیک لنلی منک ما تلی النساء من النساء، فجلست واحدة عن یمینها، و أخری عن یسارها، والثالثة بین یدیها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة علیهاالسلام طاهرة مطهرة.
فلما سقطت إلی الأرض أشرق منها النور حتی دخل بیوت مکة ولم یبق فی شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فیه ذلک النور.
و دخل عشر من الحور العین کل واحدة منهن معها طشت من الجنة، و إبریق من الجنة، و فی الإبریق ماء من الکوثر، فتناولتها المرأة التی کانت بین یدیها فغسلتها بماء الکوثر، و أخرجت خرقتین بیضاوین أشد بیاضا من اللبن و أطیب ریحا من المسک والعنبر فلفتها بواحدة، و قنعتها بالثانیة.
ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیهاالسلام بالشهادتین و قالت: أشد أن لا إله إلا الله و أن أبی رسول الله و أن بعلی سید الأوصیاء و ولدی سادة الأسباط.
ثم سلمت علیهن وسمت کل واحدة منهن باسمها و أقبلن یضحکن إلیها و تباشرت الحور العین و بشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة علیهاالسلام، وحدث فی السماء نور زاهر لم تره الملائکة قبل ذلک.
و قالت النسوة: خذیها یا خدیجة، طاهرة، مطهرة، زکیة، میمونة، بورک فیها و فی نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة والقمتها ثدیها فدر علیها، فکانت فاطمة علیهاالسلام تنمی فی الیوم کما ینمو الصبی فی الشهر و تنمی فی الشهر کما ینمو الصبی فی السنة) (1)
دلالات البحث فی الحدیث:
بعد أن تناولنا الأحادیث السابقة و بینا بعض دلالات البحث فیها والتی بدا بعضها موسعا بسبب أهمیتها فإنی وجدت أن أشیر إلی بقیة الدلالات فی الأحادیث القادمة علی نحو الاختصار معتمدا علی ذکر الإشارة فی البعض منها، و محاولا عدم الإطالة فیها إلا ما ألزمتنی الضرورة فی ذلک من قبیل
المسؤولیة الشرعیة فی بیان حقائق الأحداث أو لتکامل حلقات البحث بحیث لا یمکن ترک بعضها لأنه یسبب حدوث فراغ ذهنی أو حلقة مفقودة.
1) أمالی الصدوق: ص 69، ط مؤسسة البعثة، البحار للمجلسی: ج 43، ص 2، ح 1.