إن من الحقائق التی ذکرها القرآن الکریم و السنة المحمدیة حول مجریات یوم القیامة، هو تمایز المؤمنین فی دخولهم الجنة و تفاضلهم فی ذلک.
بل: قد أشارت أیضاً إلی أن یکون الدخول مصحوباً بآثار بعض الأعمال الحیاتیة التی عاشها الإنسان قبل انتقاله إلی عالم الآخرة.
قال تعالی:
(و سیق الذین اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جآءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام علیکم طبتم فادخلوها خالدین) (1)
و فی بیان القرآن الکریم لدخول من حقت علیه کلمة العذاب إلی جهنم یقول سبحانه:
(و إن جهنم لموعدهم أجمعین (43) لها سبعة أبواب لکل باب منهم جزء مقسوم) (2)
و تظهر الآیة بوضوح ان اختلاف أبواب جهنم لم یکن دون حکمة، بل ان تعدد هذه الأبواب کما تنص الآیة کان لغرض اختلاف الأعمال التی عملها أهل النار فکانت الباب بحسب نوع الجرم و الظلم الذی قام به اولئک،
فالمشرکون یدخلون من باب خاص بهم، و المنافقون لهم باب خاص فی جهنم، و القتلة لهم باب؛ و الظالمون لآل محمد صلی الله علیه و آله و سلم لهم باب و هکذا ـ نعوذ بالله من حلول سخطه و نسأله العفو و الرحمة و الموالاة لمحمد و أهل بیته ـ.
و علیه:
فالحال یجری مجراه بالنسبة لابواب الجنة فقد خصصت بحسب الأعمال فالمتقون لهم باب، و الصالحون لهم باب، و المؤمنون لهم باب، و المسلمون لهم باب، و بعض الأبواب خصصت ببعض الأعمال، کالعلماء، و الشهداء، و غیر ذلک؛ بل قد ورد فی بعض الروایات ان صنفاً من الناس یخیر فی الدخول إلی الجنة من أی باب شاء.
و قد نصت الأحادیث علی وقوف بعض عباد الله تعالی عند أبواب الجنة لا یدخلونها حتی یدخل معهم من أحبوا، فیشفعون لهم و یصحبونهم إلی الجنة.
قال تعالی:
(جنات عدن یدخلونها و من صلح من ءابآئهم و أزواجهم و ذریاتهم و الملآئکة یدخلون علیهم من کل باب (23) سلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (3)
فالآیة المبارکة: تشیر إلی اصطحاب أهل جنة عدن معهم آباءهم و أزواجهم و ذریاتهم.
و من هنا:
ورد فی الأحادیث الشریفة: اختصاص السقط الذی یذهب دون أن یکمل مدة حمله أو المولود الذی یتوفاه الله قبل ان یجری علیه القلم، أی قبل أن یصل إلی السن الشرعیة فی أداء الفروض الواجبة یکون حاله فی الآخرة ممن یشفع لوالدیه فیدخلهم الجنة.
و فی هذا الخصوص و بما یتعلق بمولاتنا خدیجة علیها السلام فقد أخرج الشیخ الکلینی رضوان الله تعالی علیه و الحر العاملی (قدس) روایة تدل علی ان خدیجة علیها السلام یصحبها ولدها القاسم قبل دخولها الجنة، بل هو من یأخذ بیدها إلی الجنة. و هذا نص الروایة:
روی الکلینی رحمه الله عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر- الباقر علیه السلام ـ، قال: دخل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم علی خدیجة حین مات القاسم ابنها و هی تبکی فقال لها:
ما یبکیک؟
فقالت:
درت دریرة فبکیت.
فقال:
»یا خدیجة أما ترضین إذا کان یوم القیامة أن تجیئی إلى باب
الجنة و هو قائم فیأخذ بیدک فیدخلک الجنة و ینزلک أفضلها، و ذلک لکل مؤمن.
إن الله عزوجل أحکم و أکرم أن یسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم یعذبه بعدها أبداً» (4)
و الحدیث فیه أمور و هی کالآتی:
1) سورة الزمر، الآیة: 73.
2) سورة الحجر، الآیتان: 43ـ 44.
3) سورة الرعد، الآیتان: 23ـ 24.
4) الکافی للکلینی، باب: المصیبة بالولد، ج 3، ص 18؛ وسائل الشیعة للحر العاملی، باب: احتساب موت الأولاد، ج 3، ص 244؛ الحدائق الناضرة للمحقق البحرانی: ج 4، ص 175؛ بحارالأنوار للعلامة المجلسی: ج 16، ص 15.