و لعل کثیرا من الناس لا یجد أهمیة لهذه القضیة من حیث إن خدیجة علیها السلام تزوجت قبل النبی صلی الله علیه و آله و سلم أم لم تنزوج فنقول: ان الله سبحانه و تعالی عندما سن السنن، و قدر المقدورات، جعل هناک ثوابت من خلالها تجری الأمور، فشجرة اللیمون لا یمکن أن تعطینا التفاح مع أن الشجرتین تزرعان فی نفس التربة! والسبب: هو ان السنن و القوانین التی رکبت فی الجینات الوراثیة لهذه النبتة أو تلک لا تتغیر، فکانت من ضمن الثوابت التی جعلها الله فی خلقها؛ و لکن لو فرضنا ان تغیرا حدث فی الشریط الوراثی الذی تحمله هذه الجینة فإنه لا یمکن أن نحصل علی ثمرة اللیمون بشکلها و هیأتها التی خلقها الله، مع حفظ النتائج الإیجابیة التی قدرها الله لهذه الثمرة.
فکیف إذا کان الأمر متعلقا بالنبوة و الأنبیاء الذین جعلهم الله الخلفاء فی الأرض. قال عزوجل:
»إنی جاعل فی الأرض خلیفةً«.(1)
و لکی تحفظ هذه المنزلة فإن الله جعل لها ثوابت و سننا لا یمکن تجاوزها أو تغییرها، لأن التغیر فی هذه السنن لو حصل مجازا بسبب عوامل دخیلة فإنه لا یمکن أن تتحقق النتائج المطلوبة المتمثلة فی الخلافة الإلهیة علی الأرض. و ذلک من خلال تجسید الشرع الإلهی فی تلک الشخوص المصطفاة.
و لأجل الحفاظ علی هذه النتائج جعل الله قانون «حفظ الأصلاب و طهارة الأرحام» للحیلولة دون دخول عوامل سلبیة تؤثر علی التکوین الخلقی و الخلقی لأصحاب هذه المنزلة، و کلما کانت المنزلة أکبر کلما کانت القوانین و السنن الإلهیة التی تحیط بها أکثر و أدق.
و علیه: فاننا عندما نأتی إلی مسألة زواج خدیجة علیها السلام نجد أن هناک سننا و قوانین أحاطت هذه السیدة العظیمة علیها السلام، لأنها الموضع الذی اختاره الله لکی تحمل ثمرة النبوة… لکی تحمل بسیدة نساء العالمین… لکی تحمل بفاطمة صلوات الله علیها و لأجل هذا أجری الله سنته فی حفظ هذا الرحم.
و سوف نعرض-إن شاء الله- فی أحد فصول هذا الکتاب کیف أن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قد اتبع منهاجا خاصا من العبادات المختلفة قبل أن یباشر أم المؤمنین خدیجة علیها السلام لتحمل بفاطمة صلوات الله علیهم أجمعین.
و کما قلنا لأن الأمر متعلق بأوصیاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و ثقله الأصغر الذی أوصی الأمة بالتمسک به مع الثقل الأکبر و هو القرآن الکریم.
1) سورة البقرة، الآیة: 30.