قد جاء فی الحدیث: قول جبرائیل علیه السلام للنبی صلی الله علیه و آله و سلم:
»الصلاة محرمة علیک فی وقتک حتی تأتی منزل خدیجة«.
أما الجواب علی هذا السؤال فهو عند الفقهاء: «الجواز» فقد جاء فی الشریعة السمحاء موارد عدیدة یستثنی فیها من المبادرة إلی إقامة الصلاة فی أول وقتها.
الأول: الظهر والعصر إذا أراد الإتیان بنافلتهما، و کذا الفجر إذا لم یقدم نافلتها قبل دخول الوقت، ما لم یتضیق وقت فضیلة الفریضة.
الثانی: مطلق الحاضرة لمن علیه قضاء یومه أول لیلته، فإن علیه المبادرة بالفائتة ما لم تتضیق الحاضرة حتی لو کان قد نوی الحاضرة فعلیه أن یعدل إلی الفائتة،هذا إذا تذکر قبل فوات محلها، و ذلک للنصوص (1)، التی لأجلها قیل بالمضایقة فی قضاء یومه و لیلته إلا فی فریضة الفجر فلا یتقدم علیها فائتة لحدیث
أبی بصیر و حدیث ابن مسکان، کلاهما عن الإمام الصادق علیه السلام (2)
الثالث: المتیمم مع احتمال زوال العذر أو رجائه، أو لمن علیه البحث عن الماء غلوة سهم أو سهمین کما هو مبین فی أحکام التیمم عند الفقهاء.
الرابع: لدفع الأخبثین للحاقن بهما، لقول الصادق علیه السلام:
»لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة الحدیث» (3)
و قوله:
»لا تصل و أنت تجد شیئا من الأخبثین» (4)
و قوله صلی الله علیه و آله و سلم:
»لا یصلی أحدکم و به أحد العنصرین، یعنی: البول و الغائط» (5)
أی حتی یزیلهما و یتطهر من جدید و یصلی.
الخامس: لیدرک فضیلة الجماعة، والمسجد، و حضور القلب، و لدرک کل فضیلة و کمال، ما لم یفض إلی الإفراط فی التأخیر.
السادس: المستحاضة الکبری، لها أن تؤخر الظهر لتجمعها مع العصر
بغسل واحد، و تؤخر المغرب لتجمعها مع العشاء کذلک.
السابع: المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلی المشعر، فله أن یؤخرهما و لو إلی ثلث اللیل فیجمع بینها، و هذ من السنة المؤکدة ففی صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما لا تصل المغرب حتی تأتی جمعا (6) و إن ذهب ثلث اللیل (7) و نحوه موثقة سماعة عن الإمام الصادق علیه السلام (8)
الثامن: صلاة المغرب لمن ینتظره قوم صوم یخشی أن یجسمهم عن إفطارهم، أو هو تشتاق نفسه إلی الإفطار و تنازعه. کما فی صحیح الحلبی و حدیث الفضیل وزرارة (9)
التاسع: من أتی بأربع رکعات من صلاة اللیل أو أکثر، فدخل الفجر، فله أن یتم وتره مخففة ثم یصلی الفجر، ما لم یسفر الصبح أو تغور النجوم (10)، و نافلة الفجر أفضل من الوتر.
العاشر: صلاة المغرب للمسافر حتی یغیب الشفق، أو إلی ربع اللیل، أو إلی ثلثه، بل مطلق الصلاة لمطلق المسافر المستعجل (11)، بل و لمطلق الاعتذار
والاضطرار (12)
فجمیع هذه الموارد قد وردت فی الشریعة المحمدیة عن طریق العترة النبویة صلوات الله علیهم أجمعین.
وقد ورد فی التاریخ والسیرة العطرة لسید البشر صلی الله علیه و آله و سلم أنه قد أمر المسلمین بتأخیر الصلاة فی غزوة خیبر.
فضلا عما لما ذکر فإن إدخال السرور علی قلب المؤمن من السنن المستحبة المؤکدة لقوله صلی الله علیه و آله و سلم:
»أفضل الأعمال بعد الفرائض إدخال السرور علی قلب المؤمن» (13)
و من المؤکد إن رؤیة الوجه النورانی المشرق باللطف الرحمانی لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أعظم المسرات علی قلب المؤمن و لا سیما زوجته الحبیبة خدیجة الکبری، و قد طال بها الانتظار لرؤیاه وحدا بها الشوق لملقاه وألمها الحنین لعذوبة صوته و حلاوة منطقة.
و مما لا شک فیه إنه صلی الله علیه و آله و سلم قد أخذ به الشوق والحنین إلی حبیبته و أم ولده سلام الله علیها، فما تأخیر الصلاة عن أدائها فی أول أوقاتها مع جمیع هذه العلل الراجحة والحال التی علیها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلا من باب العنایة الإلهیة بحبیبه المصطفی صلی الله علیه و آله و سلم.
1) الوسائل، باب 62 من أبواب المواقیت، الحدیث: 1، 2، 4، 7، 8 و جمیع أحادیث الباب 63.
2) الوسائل، باب 62 من أبواب المواقیت، الحدیث 3- 4.
3) الوسائل، باب 8 من أبواب قواطع الصلاة، الحدیث: 2؛ أمالی الصدوق: ص 498، ح 683 / 12؛ المعتبر للمحقق الحلی: ج 2، ص 262؛ المحاسن لأحمد بن محمد البرقی: ج 1، ص 83.
4) الوسائل: باب 8 من أبواب قواطع الصلاة، الحدیث: 3-8؛ تذکرة الفقهاء: ج 3، ص 298؛ تهذیب الأحکام للطوسی: ج 2، ص 326، ح 1333.
5) المحاسن لأحمد بن محمد البرقی: ج 1، ص 82، ح 14.
6) جمعا: الجمع هو المشعر الحرام، و یسمی، أیضا: المزدلفة.
7) الوسائل، باب 5، من أبواب الوقوف بالمشعر، الحدیث: 1- 2؛ روض الجنان للشهید الثانی: ص 186؛ منتهی المطلب للعلامة الحلی: ج 2، ص 723.
8) منتفی الجمعان للشیخ حسن صاحب المعالم: ج 3، ص 353.
9) الوسائل، باب 7 من أبواب آداب الصائم، الحدیث 1- 2.
10) الوسائل، الباب 47- 48 من أبواب المواقیت.
11) الوسائل، الباب 19 من أبواب المواقیت.
12) أنظر: اجماعیات فقه الشیعة للفقیه المحقق إسماعیل الحسینی.
13) أعلام الدین فی صفات المؤمنین للدیلمی: ص 254.