یظهر الإمام زین العابدین علیه السلام منزلة جدته خدیجة الکبری علیها السلام و افتخاره بها من خلال أمرین، الأمر الأول: خطبته الاحتجاجیة فی الشام.
و قد ألقاها علیه السلام فی مجلس الطاغیة یزید بن معاویة (لعنه الله تعالی) بعد أن أدخل علیه مع بنات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و قد جیء بهم و هم مربطون بالحبال، یقادون کما یقاد أساری العجم و الترک فاستقبلهم ابن
هند و هم علی هذه الحالة فضلاً عما نزل بهم من المصائب العظیمة و الرزایا الجلیلة التی تخجل جبین کل موحد لله تعالی.
و لذا:
وجد الإمام زین العابدین أن یعرف هؤلاء ـ إن کانوا لم یعرفوا من هو ـ و أن یظهر لهم منزلته عند الله تعالی و منزلة آبائه، و إنه ابن هؤلاء السادات الأشراف الذین شرفهم الله، کی لا یظن هؤلاء الجالسون أنه مجهول الهویة أو أنه ممن یستهان بحرمته، علی الرغم من کونهم ـ أی یزید و من والاه ـ قد انتهکوا حرمات الله و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم حینما قاموا بقتل أبیه و أخوته، و إن الکثیر من هؤلاء الجالسین لا یدرکون أنه ابن من یدینون له بالنبوة، و ذلک بسبب التضلیل الإعلامی الذی فرضته سیاسة معاویة و أشیاعه.
قال ابن شهر: (لما أتی بعلی بن الحسین و رأس أبیه (علیهما السلام) إلی یزید بالشام قال لخطیب بلیغ: خذ بید هذا الغلام فائت به إلی المنبر و أخبر الناس بسوء رأی أبیه وجده و فراقهم الحق و بغیهم علینا، قال: فلم یدع شیئاً من المساوئ إلا ذکره فیهم، فلما نزل قام علی بن الحسین: فحمد الله بمحامد شریفة و صلی علی النبی صلاة بلیغة موجزة ثم قال:
»یا معشر الناس، من عرفنی فقد عرفنی، و من لم یعرفنی فأنا أعرفه نفسی، أنا ابن کعبة و منى، أنا ابن مروة و الصفا، أنا بن محمد المصطفى، أنا ابن من لا یخفى، أن ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى و کان من ربه کقاب قوسین أو أدنى، أنا ابن من صلى بملائکة السماء مثنی مثنى، أنا ابن من أسری به من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن علی المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خدیجة الکبرى، أنا ابن المقتول ظلما، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طریح کربلا…) (1)
إلی آخر الخطبة التی وردت فی مظانها؛ و التی تکشف عن افتخار الإمام زین العابدین بجدته خدیجة الکبری علی أعدائه و إنه محاججهم یوم القیامة بهؤلاء إن کانوا یقرون لهم بالحرمة و القداسة، و یعتقدون بذلک.
الأمر الثانی: الصلاة علیها.
إن من المواطن التی یعلن فیها الإمام زین العابدین علیه السلام منزلة خدیجة هو ذکره لها فی صلواته، فیقول:
»أللهم صل على محمد المصطفى و على علی المرتضى، و فاطمة الزهراء، و خدیجة الکبرى» (2)
فهذه الصلاة و إن کانت لا تروق لمن لا یوالی العترة النبویة إلا أنها رسالة لمن یتولاهم تنص علی بیان رتبتها و منزلتها عند الله تعالی و عند حجته علی خلقه فقد أقرن ذکرها فی الصلاة مع أهل بیت العصمة و النبوة علیهم أفضل الصلاة و أزکی السلام.
1) مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 305؛ الدر النظیم لابن أبی حاتم: ص 419.
2) الأنوار الساطعة للشیخ غالب السیلاوی: ص 372، نقلا عن مهج الدعوات: ص 29، ط بیروت؛ مشاهد و مزارات آل البیت فی الشام، هاشم عثمان: ص 75؛ و جاء فیه: و علی الواجهة الشمالیة من الصحن ـ مرقد المحسن ابن الإمام الحسین ـ کتابة: «أللهم صل علی محمد المصطفی و علی علی المرتضی، و علی فاطمة الزهراء، و خدیجة الکبری…«.