تختلف نظرة المرأة للرجولة عن نظرة الرجل لها، أی لسمة الرجولة؛ بل تتمایز بناب حواء بشکل خاص فی مفهومهن للرجولة بما تفرضه علیهن المکونات الشخصیة والنشوئیة فضلاً عن المعطیات الثقافیة.
حتی بتنا الیوم لا نجد مفهوماً خاصاً عند بنات حواء للرجولة مع ما تفرضه شاشات التلفاز و مقاطع خشبة السوق؛ بل باتت الحیاة أقرب ماتکون الی مسرحیة لا یعرف الناظر الیها من هم أصحاب الأدوار الأساسیة؟ و بم یختلفون عن الماکثین خلف الستار؟!.
إلا أن تلک المفاهیم حینما تعرض علی شخصیة السیدة خدیجة أو الفکر الخدیجی تصطف أمامه تلک المفاهیم، فینساب منها ما کان ثانویا و یصمد منها ما کان معها موافقا للفطرة الإنسانیة والذوق السلیم.
فالرجولة فی الفکر الخدیجی هی الفضیلة الأخلاقیة لا بجسم مفتول، أو
شارب مبروم، أوعیون حمراء، و حنجرة تسمع الصماء حینما یعلو صاحبها رأس المرأة بالصراخ.
ولذلک:
وجدت أن من أمض أنواع التعسف والتردی بالعقل البشری هو وصف خدیجة علیها السلام بالزواج من رجلین من صعالیک العرب مع کل هذه الحضارة التی تلاطمت علی ضفتی هذه الشخصیة.
و هذا لیس بالغریب علی تلک العقول التی ملأت التاریخ العربی و هی تفصح بفعلها و قولها عن أخس المخلوقات علی وجه الأرض.
فما یقول العاقل حینما یقرأ فی التاریخ أن رجلاً یرد علی سؤال علی بن أبی طالب علیه السلام و هو یقول:
»سلونی قبل أن تفقدونی، فو الله ما تسألونی عن فئة تضل مائة وتهدی مائة إلا نبأتکم بناعقها و سائقها إلی یوم القیامة؟»
فیرد هذا المسخ البشری علی هذا السؤال بسؤال آخر یقول فیه: أخبرنی کم فی رأسی و لحیتی من طاقة شعر؟!
ولذلک من أجمل الأوصاف و أتم البیان ما نطقت به حفیدة خدیجة الکبری و شبیهتها زینب ابنة أمیر المؤمنین علی علیه السلام حینما قدمت للقاریء صورة عن مستوی هذه العقول؛ اذ خاطبت المسلمین فی الکوفة قائلة:
»کمرعی علی دمنة أو کقصعة علی ملحودة«.
بمعنی: أن الإنسان المسلم قد وصل إلی مرحلة من التردی و انعدام الحس
البشری إلی المستوی الذی أصبحوا فیه یأکلون علی لحود القبور، وهذا مخالف لأبسط دلائل وجود هذا الکائن الذی یسمی بالانسان.
و علیه:
کیف لهؤلاء المسوخ مجرد النظر إلی هذا السمو و الرفعة والعزة والمجد، وکیف لهذه اللحود السائرة التجانس مع کل هذه الحیاة والنمو و البناء والحیویة. إنهما عالمان مختلفان و متنافران کتنافر الموت و الحیاة، ولذلک لا یبالی هؤلاء فی القول و الاعتقاد بأن خدیجة کانت متزوجة من رجلین من صعالیک العرب!!
فی حین أن الرجولة فی قاموسها الحضاری هی الفضیلة بکل ما تحمل هذه الکلمة من مصادیق خارجیة، و أن الخلق فی شریک الحیاة هو الذی تکتمل به دورة الحیاة الانسانیة.
و لذا: فقد اختارت سید الأخلاق فی بنی آدم صلی الله علیه و آله و سلم بعد أن أعرضت عن کل أصناف الرجال التی اختلفت فیهم مظاهر الرجولة.