اطعامها من ثمار الجنة

و من الأحادیث أیضا ما یظهر جانباً آخر من البیان لهذه المنزلة، و هو إطعامها علیها السلام من ثمار الجنة، کما یروی الحافظ الطبرانی و الهیثمی عن عائشة أنها قالت: (أطعم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خدیجة من عنب الجنة) (1)

و هذه المکافأة و الجائزة التی نالتها السیدة خدیجة فی الحیاة الدنیا إنما هی لغرض منحها رتبة الجواز فی الدخول إلی الجنة، و هی فی الحیاة الدنیا، و هذا یتطلب مقدمات خاصة حتی یصل الإنسان مستوی من النقاء الصحائفی و الصدق الیقینی حتی ینال هذه الجائزة و هی تحقق الفوز فی الآخرة قبل الانتقال إلیها.

بمعنی: لم یبق فی تکوین خدیجة و شخصها الإنسانی عارض یحول دون التقاء العنصر الأخروی المخلوق من عالم الأمر و حلوله فیها و هی فی عالم الملکوت و الشهادة عالم المادة.

بمعنی آخر أنها تخلصت من کل الکدورات التی تعلق بالإنسان حینما یمر بتلک العوالم التکوینیة من عالم الأصلاب إلی عالم الأرحام إلی عالم الدنیا لتتحول بفعل جهادها و طاعتها و صدق یقینها بالله إلی عنصر ملکوتی یتمازج مع ثمار الجنة.

من هنا: یظهر معنی: (إنه من عبادنا المخلصین) (2)

أی الذین خلصوا من الذنوب فکانوا کأهل الجنة و هم فی الدنیا.

و لقد ضرب الله تعالی مثلاً لعباده فی مریم بنت عمران حینما جاهدت و أخلصت و خلصت لربها حتی أصبحت مؤهلة لرتبة الاندماج مع جنس الجنة أی أصبح هناک تماثل فی التکوین. و لذا:

(کلما دخل علیها زکریا المحراب وجد عندها رزقاً قال یا مریم أنى لک هذا قالت هو من عند الله إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب) (3)

و العجیب فی التکالیف الابتلائیة فی حیاة الأنبیاء علیهم السلام أن یأخذ زکریا إشارته و ضالته من خلوص مریم و انقطاعها إلی الله تعالی:

(هنالک دعا زکریا ربه) (4)

(رب لا تذرنی‏ فرداً و أنت خیر الوارثین) (5)

و لأن مریم علیها السلام لم یکن لها من العوالق الدنیویة، ما یشغل القلب و یحزنه کالولد و الزوج أصبحت أسبق فی العنایة الإلهیة فی تحقق المحال و هو إطعامها من ثمار الشتاء فی فصل الصیف و من ثمار الصیف فی فصل الشتاء، و هذا فضلاً عن أن هذه الثمار من الجنة فلا قیمة للوقت حینها إلا بمقدار إقرار عین المؤمن و إکرامه.

و علیه: لا یکون انقطاع مریم علیها السلام مختلفاً عن انقطاع خدیجة إلی ربها و جهادها فی سبیله، و ما أوتیت فاطمة (صلوات الله علیها و علی أبیها و بعلها و بنیها) لأعظم لو کانوا یعقلون.

1) المعجم الأوسط للطبرانی: ج 6، ص 168؛ مجمع الزوائد الهیثمی: ج 9، ص 225؛ السیرة الحلبیة: ج 2، ص 422؛ الروض الأنف للسهیلی: ج 2، ص 8.

2) سورة یوسف، الآیة: 24.

3) سورة آل عمران، الآیة: 37.

4) سورة آل عمران، الآیة: 38.

5) سورة الأنبیاء، الآیة: 89.