جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

اشتیاق الجنة لخدیجة

زمان مطالعه: 4 دقیقه

یتحدث القرآن الکریم عن الجنة و النار فیکشف للمسلم عن جملة من الحقائق و الخصائص التی تخصهما، و التی فی الواقع یحتار العقل فیها، و کیف لا یحتار؟! و هما من الغیب الذی خص الله به نفسه و خیرته من خلقه.

الا ان الذی یدفع الإنسان إلی کثیر من التفکر و التأمل هو تلک الحالات الخاصة التی جعلها الله سبحانه للجنة و النار، و التی ترافق فی العادة الروح لا الجماد و کأن القرآن فی عرضه لصفات الجنة و النار یتحدث عن خلق من خلق الله امتاز بالحیاة و لیس بالموات، أی: إن الجنة و النار من ذوات الأرواح العاقلة و هذا من أعجب ما یعرضه القرآن عن الجنة و النار؛ فالنار تتکلم، و تسمع، و تطیع، و تنظر، و هی لأمر ربها خاضعة، و من غضبه خائفة، و من خشیته و جلة.

و هذا یدل علی أنهما مخلوقتان لا کما ذهب البعض من المسلمین إلی أنهما لیستا مخلوقتین ـ کما سیمر بیانه فی ولادة فاطمة علیها السلام ـ.

أما الآیات الدالة علی حقیقة خلقهما أن لهما من الصفات ما لذوات الأرواح العاقلة کالملائکة و الجن و الإنس فهی کالآتی:

1ـ یقول سبحانه فی بیان رؤیة النار للکافرین:

(إذا رأتهم من مکان بعید سمعوا لها تغیظاً و زفیراً) (1)

و الحال یجری مجراه بالنسبة للجنة فمثلما تسمع النار و تتکلم و تنظر فان

الجنة لتشتاق إلی نفر من المؤمنین و المؤمنات نصت علیهم الأحادیث النبویة الشریفة و هذا کاشف عن بلوغ هؤلاء النفر المراتب العلی من الإیمان بالله و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم.

فالجنة لکثرة ما یرد علیها من الحسنات من أولئک النفر فانها اشتاقت إلیهم کما یشتاق الزرع إلی الزراع و کما تشتاق الأرض إلی الماء.

و الأحادیث فی ذلک الخصوص کثیرة، و کلها تکشف عن بلوغ هؤلاء النفر المراتب السامیة فی الجنان لکثرة ما قدموا من أعمال صالحة و خالصة لوجه الله تعالی، و لذا فالجنة تشتاق إلیهم.

و لأن الشوق لا یکون الا من المحبة، و لأن الجنة هی موضع الطهر و القداسة و محل عباد الله المخلصین من الأنبیاء و المرسلین و سیدهم أجمعین محمد و آله الطاهرین صلی الله علیه و آله و سلم و من والاهم و ثبت علی دینهم فان ذلک یکشف عن أمور منها:

أ. ان اشتیاق الجنة یدل علی تحول هؤلاء و ان کانوا فی الدنیا من أهل الجنة فالجنة لا تشتاق إلا لأهلها و أحبابها و إلا لا معنی لتحقق الشوق.

ب. ان هؤلاء النفر قد بلغوا رتبة عالیة من طهارة الروح و البدن حتی أصبحوا من سنخیة الجنة فحالهم من حال الجنة و جنسها.

ج. انهم من أهل العلم و العمل إذ لا فائدة من العلم ما لم یکن مصحوباً بالعمل و لولا هذا العلم و العمل لما وصلوا إلی رتبة اشتیاق الجنة لهم.

أما من هؤلاء الذین تشتاق الجنة إلیهم؟ فأما من النساء فهن المذکورات فی

حدیث رواه ابن أبی الفتح الأربلی، عن النبی الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم، أنه قال:

»اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء مریم بنت عمران و آسیة بنت مزاحم، و خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد» (2)

و أما من الرجال فهم:

1. روی القاضی النعمان المغربی عن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام أنه قال:

»إن الجنة لتشتاق و یشتد ضوؤها لمجیء آل محمد صلى الله علیه و آله و سلم و شیعتهم، ولو ان عبداً عبدالله بین الرکن و المقام حتى تتقطع أوصاله و هو لا یدین الله بحبنا و ولایتنا أهل البیت ما قبل الله منه» (3)

2. روی الشیخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الباقر، عن آبائه علیهم السلام أجمعین، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال:

»إن الجنة لتشتاق لأحباء علی و یشتد ضوؤها لأحباء علی علیه السلام و هم فی الدنیا قبل أن یدخلوها و إن النار تتغیظ و یشتد زفیرها على أعداء علی علیه السلام و هم فی الدنیا قبل أن یدخلوها«. (4)

3. روی الصدوق رحمه الله عن الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال: قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلی أمیرالمؤمنین علیه السلام:

»الجنة تشتاق إلیک و الى عمار و إلى سلمان و أبی ذر و المقداد» (5)

4. روی الترمذی، عن الحسن عن أنس بن مالک قال، قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:

»إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علی و عمار، و سلمان» (6)

5. و أخرج أبویعلی الموصلی فی مسنده، عن سعد الاسکاف، عن أبی جعفر محمد بن علی عن أبیه عن جده الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال:

»أتى جبرئیل النبی صلى الله علیه و آله و سلم فقال: یا محمد ان الله یحب من أصحابک ثلاثة فأحبهم، علی بن أبی طالب، و أبوذر، و المقداد بن الأسود، قال فأتاه جبریل فقال له: یا محمد إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابک، و عنده أنس بن مالک فرجا أن یکون لبعض الأنصار، قال فأراد أن یسأل رسول الله صلى الله علیه و سلم عنهم فهابه فخرج فلقی أبابکر فقال: یا أبابکر أنی کنت عند رسول الله صلى الله علیه و سلم آنفا فأتاه جبریل فقال إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة من أصحابک فرجوت أن یکون لبعض الأنصار فهبته أن أسأله فهل لک أن تدخل على نبی الله

صلى الله علیه و سلم فتسأله؛ فقال إنی أخاف أن أسأله فلا أکون منهم و یشمت بی قومی، ثم لقینی عمر بن الخطاب فقال له مثل قول أبی بکر.

قال فلقی علیا فقال له علی: نعم، إن کنت منهم فأحمد الله، و إن لم أکن منهم فحمدت الله؛ فدخل على نبی الله صلى الله علیه و سلم، فقال: أن أنسا حدثنی أنه کان عندک آنفا وإن جبریل أتاک فقال یا محمد إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابک قال فمن هم یا نبی الله؟

قال أنت منهم یا علی، و عمار بن یاسر، و سیشهد معک مشاهد، بین فضلها، عظیم خیرها، و سلمان منا أهل البیت و هو ناصح فاتخذه لنفسک» (7)


1) سورة الفرقان، الآیة: 12.

2) کشف الغمة للأربلی: ج 2، ص 94؛ بحارالأنوار: ج 43، ص 53؛ شجرة طوبی للحائری: ج 2، ص 222؛ شرح إحقاق الحق للسید المرعشی: ج 10، ص 99.

3) دعائم الإسلام للقاضی النعمان المغربی: سسج 1، ص 74.

4) ثواب الأعمال للشیخ الصدوق: ص 207.

5) الخصال للصدوق: ص 303؛ عیون أخبار الرضا علیه السلام للصدوق: ج 1، ص 72.

6) سنن الترمذی: ج 5، ص 332.

7) مسند أبی یعلی الموصلی: ج 12، ص 143، حدیث 6772؛ مجمع الزوائد للهیثمی: ج 9، ص 117؛ کنز العمال للمتقی الهندی: ج 13، ص 258؛ تاریخ مدینة دمشق لابن عساکر: ج 21، ص 412.